من أعاجيب ما رأيت في أحد المراكز الإسلامية في فلوريدا
مشاهد تبعث على التأمل والحزن في آنٍ واحد.
لفت انتباهي أن شباب التحفيظ هناك يتحدثون باللغة العربية الفصحى بطلاقة، بل ويحفظون بعض متون النحو
ويلتزم المعلمون باستخدام العربية أثناء إلقاء دروس اللغة في مدرستهم الإسلامية أو حلقات التحفيظ في المركز
سألت أحد المدرسين ( الذي أصله ليس بعربي ) ماهي الأسباب التي جعلتكم تلتزمون في في شرح دروس التجويد للشباب في اللغة العربية
رغم أنهم ليسوا عربًا؟!
فقال: أننا بدأنا في تعليمهم اللغة من الصفوف الأولى في المدرسة الإسلامية وأصبحت اللغة العربية محببة إلى قلوبهم ويفهمونها بعكس آبائهم الكبار الذين لم يلتحقوا بالمدرسة الإسلامية..
ثم قال كلامًا هز كياني
قال: والله أننا نخجل أن نقترب من كتاب الله بغير لغته.!
يقدسون اللغة العربي لأنهم يعلمون أنها لغة الجنة ولغة الوحي ولغة النبي صلى الله عليه وسلم
هذا الالتزام يعكس شغفًا وحبًا للغة القرآن لدى أناس لم تكن العربية لغتهم الأم، لكنها أصبحت لغة قلوبهم وعقولهم.
وفي المقابل
نجد مشهدًا مؤلمًا في أكثر التجمعات العربية، حيث تُهمَّش العربية حتى في معاقلها الأخيرة المساجد!!
وتُقدَّم دروس التجويد والمحاضرات بالإنجليزية بل حتى شرح مبادئ اللغة العربية تقدم باللغة الانجليزية !
وكأن العربية فقدت مكانتها بين أهلها.
هذه المفارقة تسلط الضوء على أزمة عميقة .
فبينما يتشبث الأعاجم بالعربية حبًا وتقديرًا ، يبدو أن كثيرًا من العرب أنفسهم ينصرفون عنها بدعوى التسهيل أو لاسترضاء الأجيال الجديدة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه:
إذا هجر العرب لغتهم فكيف نرجو لها البقاء؟
وإذا كانت اللغة العربية لا تجد مكانًا في المساجد، فكيف نحلم أن تظل حية في البيوت والمدارس؟
إن استعادة مكانة العربية تبدأ منا نحن العرب بإحياء حبنا للغتنا
وتعزيز ارتباطنا بها والعمل على غرس قيمتها في نفوس أبنائنا.
فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل بل هي هوية وثقافة وحضارة
وهي أمانة تستحق أن نصونها وننقلها لمن بعدنا، كما فعل الأعاجم بحبهم وإخلاصهم.
فياليتنا نستفيق قبل أن يأتي اليوم الذي نتعلم فيه العربية على أيدي من حافظوا عليها وهم ليسوا عرباً